أسست كلية غزة في عام 1942م على يد الأستاذين شفيق ترزي ووديع ترزي، وكانت أول مدرسة خاصة في قطاع غزة تشمل المراحل التعليمية الثلاث: الابتدائية، الإعدادية، والثانوية. وقد تميزت الكلية في بدايتها

 بوجود قسم داخلي للطلبة القادمين من خارج القطاع، ممن يرغبون في إتمام المرحلة الثانوية، والمعروفة آنذاك باسم "المتروكيوليشن"، والتي كانت تعادل الثانوية العامة.

خدمات تعليمية متكاملة ونشاطات متنوعة


قدمت الكلية خدماتها لكافة طلاب المنطقة الجنوبية من فلسطين، حيث كان الطالب سابقًا مضطرًا للذهاب إلى القدس أو رام الله لإكمال دراسته الثانوية. كما تميزت الكلية بالأنشطة اللامنهجية المتنوعة، مثل:

  • فرق التمثيل.
  • فرق الكشافة.
  • المطارحات الشعرية.
  • الرحلات الترفيهية والتعليمية.

وكانت تصدر مجلة دورية باسم "كلية غزة"، توثق هذه الأنشطة وتبرز مواهب الطلبة.



تعليم الفتيات والمعهد الخاص بهن


خصصت الكلية قسمًا خاصًا للطالبات تحت اسم "معهد كلية غزة للطالبات"، يبدأ من الصف السادس وحتى الثالث الثانوي، خصوصًا لمن فاتهم قطار التعليم، ما فتح آفاقًا جديدة أمام الفتيات في قطاع غزة، وجعل من

 الكلية رائدة في تعليم الإناث.


انتقال المقر وتوسع النشاط


بدأت الدراسة في مبنى مستأجر تابع لبلدية غزة، مقابل مدرسة الزهراء الثانوية، ثم انتقلت الكلية عام 1958م إلى المبنى الجديد في شارع الجلاء، مع بقاء المبنى القديم مخصصًا لتعليم الطالبات والتخصصات التجارية.



الإدارة المصرية وعدد الطلاب


في فترة الإدارة المصرية، بلغ عدد طلاب وطالبات الكلية نحو 1300 طالب وطالبة. ولكن في عام 1968م، توقفت الدراسة النظامية في الكلية، واستمر فقط العمل في القسم التجاري تحت إشراف الأستاذ علي أبو كمال، وقسم الطباعة بإشراف الأستاذ حسن السكافي.



المنهج الأردني والفرصة الجامعية


بسبب غياب وضوح مستقبل التعليم في غزة بعد عام 1969م، قرر الأستاذ وديع ترزي اعتماد المنهج الأردني للثانوية العامة بديلًا عن المنهج المصري. وبعد عدة زيارات إلى عمّان، حصل على موافقة وزارة التربية والتعليم الأردنية، وتم تسجيل حوالي 400 طالب وطالبة من نخبة طلبة القطاع. تقدموا للامتحان النهائي في رام الله ونجح معظمهم رغم صعوبة الامتحان.



العودة إلى المنهج المصري ومراقبة اليونسكو


بعدها، عادت الكلية إلى تدريس المنهج المصري، وأُجريت الامتحانات تحت إشراف منظمة اليونسكو وبحضور مراقبين أجانب، مما أعطى مصداقية واعترافًا دوليًا بالشهادات الصادرة.

محاولات تطوير الكلية لفرع جامعي


في أوائل السبعينيات (1970-1972م)، ورغم الصعوبات، واصلت الكلية رسالتها، وكانت نسبة النجاح فيها تفوق المدارس الحكومية. وفي عام 1979م، طرح الأستاذ وديع ترزي فكرة تحويل الكلية إلى فرع لجامعة بيرزيت، وأقام ندوة موسعة في جمعية الشبان المسيحية حضرها عدد من المفكرين والتربويين. ولكن بعد شهرين، تُوفي الأستاذ وديع، فانتهت الفكرة برحيله.



القيادة بعد وفاة المؤسسين


  • في عام 1984م، توفي الأستاذ شفيق ترزي، وتولى الإدارة الأستاذ سامي شاهين حتى نهاية العام.
  • ثم خلفه الأستاذ كمال الطويل، وأدار الكلية لمدة عشر سنوات حتى قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية.

فترة الانتفاضة والتحديات


بلغ عدد طلبة الكلية بين 600 إلى 700 طالب وطالبة كانوا يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة، وحقق العديد منهم نتائج ممتازة مكنتهم من الالتحاق بالجامعات المصرية. لكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى، أصبحت حركة المواصلات صعبة بسبب إجراءات الاحتلال، ما أدى لانقطاع طلاب الجنوب عن الكلية.

في تلك الفترة، قادت العمل السيدة المرحومة أم مروان ترزي، بالتعاون مع الأستاذ عمر خليل عمر الذي أصبح لاحقًا مديرًا للمدرسة.



القرن الجديد وتحديات الاستمرار


  • في عام 2000م، توفيت السيدة أم مروان ترزي، وتولى الأستاذ سهيل ترزي إدارة المدرسة.
  • في عام 2004م، انضم المهندس مروان وديع ترزي وأصبح رئيسًا ومديرًا للكلية.







مرحلة المهندس مروان وديع ترزي (2004 - حتى اليوم)


في عام 2004م، تولى المهندس مروان وديع ترزي رئاسة وإدارة كلية غزة، حاملاً على عاتقه إرثًا عريقًا وتاريخًا حافلًا بالتحديات والإنجازات. ومنذ تسلمه، بدأ العمل على إعادة تنظيم الكلية إداريًا وأكاديميًا، ومواصلة رسالتها التعليمية في ظل ظروف سياسية واقتصادية غاية في الصعوبة.



التطوير في ظل التحديات


رغم ما شهده قطاع غزة من أزمات متتالية، كالحصار والانقسام السياسي والحروب المتكررة، لم تتوقف الكلية عن أداء دورها. سعى الأستاذ مروان ترزي إلى:

  • تحديث المناهج التعليمية بما يتماشى مع متطلبات وزارة التربية والتعليم الفلسطينية.
  • تحسين البيئة المدرسية بما توفر من إمكانات.
  • الحفاظ على كفاءة الكادر التعليمي والتربوي.
  • الاستمرار في دعم الأنشطة اللامنهجية لتعزيز مهارات الطلبة وقدراتهم.

كما تم تطوير بعض الأقسام الفنية والتجارية بما يواكب سوق العمل المحلي، واحتفظت الكلية بدورها الريادي في تقديم التعليم النوعي، خاصة في ظل تراجع بعض المدارس الخاصة نتيجة الأوضاع الاقتصادية.



الاستمرار رغم الضغوط الاقتصادية


مع ازدياد الأعباء المالية على الأهالي، واجهت الكلية تحديات مالية جسيمة، إذ أصبحت الرسوم المدرسية غير كافية لتغطية المصاريف التشغيلية. ورغم ذلك، لم تغلق الكلية أبوابها، بل استمرت في تقديم التعليم برسالة إنسانية وأخلاقية سامية، ملتزمة بمساعدة الطلاب غير القادرين ماليًا، في إطار من التضامن المجتمعي والدعم المحدود الذي توفر من شخصيات غزية ومؤسسات محلية.

التعليم في ظل الحروب والطوارئ


عانت الكلية، شأنها شأن مؤسسات غزة، من تداعيات الحروب المتكررة على القطاع، حيث تعرض المبنى لأضرار جزئية أكثر من مرة، واضطرت الإدارة إلى تعليق الدراسة خلال فترات العدوان، لكنها كانت من أوائل المؤسسات التي تعيد فتح أبوابها بعد كل توقف، لإعادة الحياة إلى الطلبة ومواصلة العملية التعليمية.

التحول الرقمي والتعليم عن بُعد


مع بداية جائحة كورونا في عام 2020م، سعت الكلية إلى مواكبة التغيرات، وأطلقت منصات إلكترونية بسيطة للتعليم عن بُعد، رغم محدودية الموارد التقنية لدى العديد من الطلبة. وكان ذلك شاهدًا جديدًا على مرونة الكلية وقدرتها على التكيف مع المستجدات.

الحفاظ على الرسالة حتى اليوم


حتى يومنا هذا، لا تزال كلية غزة تقف شامخة، بقيادة الأستاذ المهندس مروان ترزي، الذي حافظ على روح المؤسسة ورسالتها، وعلى العلاقة العميقة التي تربط الكلية بأبناء غزة.

 فرغم مرور أكثر من ثمانين عامًا على تأسيسها، تواصل الكلية أداء دورها التربوي، وتشكل ذاكرة تعليمية وتاريخية لا تُنسى في وجدان المدينة.

إرث باقٍ ورسالة مستمرة


منذ تأسيسها عام 1942م وحتى اليوم، كانت كلية غزة أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية؛ كانت بيتًا للعلم والتربية والوطنية. واجهت أزمنة الاحتلال، وتحديات الحصار، والاضطرابات السياسية، لكنها بقيت منارة مضيئة وسط الظلام.وما زالت الكلية، بفضل إدارتها المخلصة، وعلى رأسها الأستاذ المهندس مروان ترزي، تثبت أن التعليم في غزة مقاومة وبناء للمستقبل، وأن الرسالة التي بدأها المؤسسون شفيق ووديع ترزي لم ولن تموت، بل تتجدد في كل جيل جديد ينهل من نور العلم في فصولها.